تتمحور قصة مسلسل "ولاد بديعة" حول العداوة بين الأخوة التي تصل إلى صراع دموي حتى أنّ الحوار بين شخصياته تخلّلته عدة مرات عبارة "الدم ما بيجيب إلا الدم"، وهي القصة التي تُذكّرنا بأقدم جريمة قتل عرفها التاريخ البشري ألا وهي قابيل وهابيل التي تعكس صراع الخير والشر في هذا الكون. أما درامياً، فهناك العديد من الأفلام والمسلسلات التي اعتمدت هذه التيمة الشهيرة التي تتأرجح بين الانتقام بين الأقارب “ Vengeance for Kin Upon Kin“ والعداوة بين الأقرباء أو الأصدقاء “ Enmity of Kin.
فيما خص هذه التيمة في مسلسل ولاد بديعة، لقد راهن صنّاعه على العديد من العناصر الفنية لعدم الوقوع في فخ تكرار قصة الأخوة الأعداء حيث تعتمد الحبكة الدرامية على الكثير من التشويق ضمن خطّيْن زمانيّيْن بين الماضي تارة والحاضر تارة أخرى، كما تتشابك علاقات شخصيات الأبطال بالشخصيات الثانوية ما يخلق غنى أكثر في الأحداث. لكن ما يُؤخذ على العمل أنّه بالغ في المشاهد العنيفة والدموية حتى لو كان المبرّر لذلك تقديم دراما واقعية مثل مشهد ضرب شاهين وياسين لأخيهما غير الشقيق مختار حتى فقد رجولته إنتقاماً منه لقتله والدتهما بديعة.
وإلى جانب الزمان، تنطلق أحداث المسلسل من "الدباغات" حيث نغوص في عوالمها بين شخصياتها، لكن ما يلفتنا فيما خص المكان هو اختيار القطار المهجور الذي يلتقي فيه الأخوة في زمن الماضي والحاضر على حد سواء وكأنّه يحمل رمزية تشير إلى قطار العمر بسنواته العديدة لكنه مهجوراً كي يشبه "مجازياً" هجرة المشاعر والعواطف في قلوب هؤلاء الأخوة رغم أنّ هناك لحظات عاطفية في حلقات هذا المسلسل لكنها سرعان ما تتلاشى أمام الشر!

وبالنسبة لأداء الممثلين، نرى سلافة معمار كما لم نراها من قبل أو مثلما نقول بلهجتنا العامية "طالعة من حالها" وهنا تأتي شطارة الممثل المجتهد الذي يختار دوراً مختلفاً وبالفعل تجيد سلافة معمار استعمال كافة أدوات الممثل بتكنيك عالي في تجسيدها شخصية سكّر، ورغم أنّ البعض رأى مبالغة في أدائها إلّا أننا نرى العكس تماماً. كذلك الأمر بالنسبة للممثل محمود نصر الذي بدّل كل تعابير وجهه لتجسيد شخصية مختار مثل حركات شفاهه وحاجبه ليدل على انفعالاته العصبية خاصة أنّه كان يخضع لعلاج في مصحة نفسية حيث يُجسّد شخصية المريض بالذهان.

أيضاً الممثلة إمارات رزق التي تجسّد دور الوالدة بديعة، كثُرت في الأيام الأخيرة تعليقات الإشادة بأدائها وبالفعل أجادت إمارات تجسيد شخصية المرأة من ذوي الهمم وامتزجت انفعالاتها السيكولوجية على ملامحها الفيزيولوجية بأداء محترف دون أن تتفوّه بكلمة، وهنا أثبتت رزق أنّ الإيماء في التمثيل يتطلّب مهارة عالية جداً وهو ما يُعرف بفن التمثيل الإيمائي الصامت أو البانتوميم.

كما قدّم الممثل والكاتب يامن الحجلي شخصية ياسين الشاب المتهوّر والبخيل بأداء متقن مع حركات جسدية وإيفيهات تضفي طابعاً خاصاً لهذه الشخصية، وجسّد الممثل سامر إسماعيل شخصية شاهين الشاب الطموح الذي يُظهر غير ما يُبطن في كثير من الأحيان بأداء مميز.

ولا زالت حلقات مسلسل "ولاد بديعة" تُستكمل مع هذا الموسم ليُقدّم دراما واقعية تتسم بالتشويق والإثارة حيث لم "تفلت" الحبكة الدرامية منذ حلقته الأولى لغاية الحلقة الحادية عشر التي عُرضت أمس، لكن ماذا تُخبّىء أحداث الحلقات المقبلة وهل سينتهي برسالة مفادها أنّ الخير لا بد أن ينتصر في نهاية المطاف وكلّ مَن تلطّخت يداه بِدماء الإنتقام سيدفع الثمن عاجلًا أم آجلًا؟!