مع إنطلاق عرضه، "شارع شيكاغو" مسلسل يجمع الحب، الجريمة والتاريخ السياسي!
إنطلق عرض مسلسل "شارع شيكاغو" منذ ليل الأحد الفائت عبر شاشة OSN ومنصة ويّاك، وهو يجمع نخبة من نجوم الدراما السورية أبرزهم سلاف فواخرجي، دريد لحام، عبّاس النوري، أمل عرفة، شكران مرتجى، مهيار خضّور وغيرهم وهو من تأليف ورشة من الكتاب بِمشاركة يزن الداهوك، علي ياغي ورزان السيد بإشراف المخرج محمد عبد العزيز وإنتاج شركة قبنض. أما قصته فهي تتمحور حول فتاة دمشقية تهرب برفقة بطل شعبي في حقبة الستينيات، فتلجأ إلى "تياترو" كائن في شارع شيكاغو، ثمّ تقع جريمة قتل تبقى غامضة لِحين يُعاد فتح ملف هذه الجريمة بعد سنوات طويلة في الحقبة المُعاصرة.
رغم أنّه من المُبكِر جداً الحكم على أي عمل درامي قبل مشاهدة مجموعة من حلقاته إلّا أنّ مسلسل "شارع شيكاغو" مع بدء عرضه وبعد مشاهدة أوّل حلقتيْن منه، نستطيع القول بأنّه عمل "بيعبّي الراس" مثلما نقول في بلاد الشام، إذ يأخذنا إلى عالم الستينات في رحلة نحو الماضي ويمزج بين عدّة أنماط درامية ما بين الحب، عالم الجريمة والتاريخ السياسي آنذاك وما تقاطع معه من تغيّرات وتبدّلات فكرية.
يرصد المسلسل حكاية حب تجمع مراد وميرامار بعدما إجتمعا بمحض الصدفة، ميرامار التي تُجسّد دورها الممثلة سلاف فواخرجي هي فتاة ساحرة الجمال، ضريرة وعاشقة للموسيقى إذ ترفض القيود التي تُكبِّلها وهذا ما نستشفّه في حوارها مع والدها ضمن الحلقة الثانية حينما يمنعها من العزف والغناء خارج المنزل ويطلب منها تعلّم التجويد خوفاً على سمعة العائلة خاصة أنّ شقيقها يتبوّأ منصباً هاماً في الدولة، أما مراد فهو صحافي ثائر وشقي يُقدّم دوره الممثل مهيار خضور، تأخذه الصدفة كي يتعرّف على ميرامار وتشتعل نيران الحب بينهما من النظرة الأولى لحين يأتي اللقاء الثاني بينهما في سوق الحميدية، وهناك يسأل مراد هذه الفتاة الجميلة عن إسمها فتطلب منه أن يختار لها إسم ليُلقّبها بِميرامار إلا أنها في الأصل إسمها "عفاف".
إلى جانب الخط الدرامي العاطفي بين مراد وميرامار، يحمل المسلسل إسقاطات سياسية تاريخية بأسلوب مختلف في المعالجة الدرامية حيث يُذكّرنا هذا العمل بزيارة تاريخية للمناضل الشهير تشي غيفارا حينما زار عدة دول إفريقية وآسيوية خلال عام 1959 ومنها سوريا إذ يتعرّف مراد على عفاف أو ميرامار في باحة المسجد الأموي خلال زيارة تشي غيفارا، وبذلك خَلَق الكاتب بداية قصة عاطفية خيالية من حدث تاريخي واقعي.
هنا نُعقّب أيضاً إلى أنّ العمل يتناول حقبة زمنية في التاريخ شهدت على ثورات سياسية أثّرت على العديد من المجتمعات فكرياً وإجتماعياً حتى تعدّدت الإنتماءات السياسية في مجتمعاتنا العربية، وهذا ما تقاطع مع الحوار العاطفي الأول بين ميرامار ومراد حينما سألته:"هل أنتَ شيوعي، بعثي، قومي أو وحدوي؟"، إذ يرصد مسلسل "شارع شيكاغو" الفترة التي شهدت على الوحدة بين سوريا ومصر ثمّ تمّ الإنفصال بين الجمهوريّتيْن، وهذا ما كان له إنعكاسات إجتماعية وإقتصادية.
ما بين الحب والتاريخ السياسي، يُسلّط المسلسل الضوء على إحدى الشوارع الدمشقية التي كانت معروفة آنذاك ألا وهو "شارع شيكاغو" وما يحمله من رمزية وخصوصية لهذا المكان، وهو الشارع الذي كان يُمثِّل أجواء السهرات الصاخبة بوجود "التياترو" والحانات والخلافات بين الشُبّان وعمل الباغيات. وهناك نرى أبطال العمل، إذ يرتاد مراد إلى هذا الشارع مع صديقه ثمّ تطلب منه ميرامار إصطحابها إلى هناك.
تنتقل الأحداث الدرامية في هذا العمل بين حقبتيْن زمنيّتيْن حينما يُقرّر ضيف شرف "شارع شيكاغو" الممثل القدير دريد لحام الإعتراف بجريمة قتل ميرامار للمُحقِّق الذي يُقدّم دوره الممثل والمخرج وائل رمضان، وذلك رغم مرور حوالي ستين عام على هذه الجريمة، وهنا يطل الممثل عباس النوري ليروي حيثيات الجريمة للمُحقّق والتي سنكتشف تفاصيلها في الحلقات القادمة، كما ستظهر لاحقاً تفاصيل الأدوار التي تُقدّمها باقي شخصيات العمل أبرزها الممثلة أمل عرفة بشخصية "سماهر" وهي مغنية وفتاة ليل في الحقبة المُعاصرة، والممثلة شكران مرتجى بشخصية "ستيلّا" وهي صاحبة ملهى ليلي في "شارع شيكاغو" خلال الستينات، ومنذ عرض أوّل حلقتيْن يظهر جلياً الإختلاف النوعي في الشخصيات الدرامية التي يُجسّدها الأبطال الآنف ذكرهم حيث سنتوسّع لاحقاً في الحديث عن ذلك بعد عرض الحلقات القادمة.
كل هذه الخطوط الدرامية المُتَشعِّبة تضفي على المسلسل المذكور غنى درامي يجذب المُشاهِد كي يستمتع بِمُشاهدة قصة حب على طريقة زمن الستينات -إن جاز التعبير- مع تيمة الدراما البوليسية في عالم الجريمة الذي يعتمد على التشويق، والمميّز أيضاً أنّ العمل يأتي في زمان ومكان مختلف ما يجعل المُشاهِد يرى مسلسلاً يرتكز على فكرة غير مستهلكة مسبقاً. وتكتمل العناصر الآنف ذكرها مع تركيز مسلسل "شارع شيكاغو" على تفاصيل أخرى مثل الديكور وتحديداً في الأحداث ضمن حقبة الستينات حيث ينقلنا إلى ذاك العصر بمؤثرات بصرية تعتمد على الإبهار بالألوان الزاهية التي كان يتم إعتمادها في الملابس والمنازل وكل الإكسسوارات... فضلاً عن الجرأة غير المبتذلة ودون خدش حياء المُشاهِد خاصة في مَشاهِد حانات "شارع شيكاغو".
بناءاً عليه، نتوقّع أنّ يُحقِّق مسلسل "شارع شيكاغو" نجاحاً هاماً مع عرض حلقاته خلال الفترة الراهنة مع تقديم مادة درامية مكتملة العناصر.
يمكنكم نشر مقتطفات من المقال الحاضر، ما حده الاقصى 25% من مجموع المقال، شرط: ذكر اسم المؤلف والناشر ووضع رابط Aghani Aghani (URL) الإلكتروني الذي يحيل الى مكان مصدر المقال، تحت طائلة تطبيق احكام قانون حماية الملكية الفكرية